في خطوة بحثية مثيرة، أعلن علماء من “مايو كلينك” في الولايات المتحدة عن نتائج دراسة حديثة تشير إلى إمكانية الاستفادة من آلية تستخدمها الخلايا السرطانية للاختباء من جهاز المناعة، من أجل حماية خلايا البنكرياس المنتجة للإنسولين، ما قد يمثل نقلة نوعية في علاج مرض السكري من النوع الأول.
الدراسة، التي نُشرت في مجلة الأبحاث السريرية مطلع أغسطس/آب 2025، تناولت جزيئًا سكريًا يُعرف باسم “حمض السياليك” (Sialic Acid)، وهو مركب تغلف به بعض الخلايا نفسها لتجنب هجمات الجهاز المناعي.
وقد تبين للباحثين أن هذا الجزيء لا يقتصر دوره على السرطان، بل قد يكون له تطبيقات علاجية مهمة في أمراض المناعة الذاتية، ومنها السكري من النوع الأول.
يُصنّف السكري من النوع الأول كأحد أمراض المناعة الذاتية المزمنة، حيث يهاجم الجهاز المناعي خلايا “بيتا” في البنكرياس، وهي المسؤولة عن إنتاج الإنسولين الذي ينظم مستويات السكر في الدم.
وينتج هذا المرض عن تداخل عوامل وراثية وأخرى بيئية، ويُقدّر عدد المصابين به في الولايات المتحدة وحدها بنحو 1.3 مليون شخص.
السر في خداع المناعة
تشتهر الخلايا السرطانية بقدرتها على تفادي الجهاز المناعي من خلال تغليف أسطحها بطبقة غنية بحمض السياليك، مما يجعلها تبدو وكأنها خلايا طبيعية. هذا الاكتشاف ألهم فريق البحث بقيادة الدكتورة فيرجينيا شابيرو، التي أشارت إلى أن فريقها درس سابقًا إنزيما يُدعى ST8Sia6، يساهم في زيادة كمية حمض السياليك على سطح الخلايا، وهو ما يحميها من الاستهداف المناعي.
تساءل العلماء: إذا كانت هذه الآلية تحمي الخلايا السرطانية من التدمير، فهل يمكن توظيفها لحماية خلايا بيتا السليمة التي يخطئ الجهاز المناعي في مهاجمتها؟
تجربة على الفئران بنتائج واعدة
لاختبار الفرضية، استخدم الباحثون فئرانًا معروفة بإصابتها التلقائية بالسكري المناعي الذاتي، وقاموا بهندسة خلايا بيتا لديها لإنتاج إنزيم ST8Sia6.
وكانت النتائج مدهشة: 90% من هذه الفئران تجنبت تطور المرض وحافظت على خلاياها السليمة، رغم أن الجهاز المناعي بقي نشطًا وقادرًا على أداء وظائفه الطبيعية الأخرى.
وأشار الباحث المشارك جاستن تشوي، وهو طالب طب ودكتوراه، إلى أن الحماية التي وفرتها هذه التقنية كانت دقيقة ومتخصصة، حيث لم تؤثر على قدرة الجهاز المناعي في مواجهة أمراض أو عمليات مرضية أخرى.
آفاق العلاج البشري
حتى اليوم، لا يوجد علاج نهائي للسكري من النوع الأول، ويعتمد المرضى على الإنسولين الصناعي أو على زراعة خلايا جزر البنكرياس، وهي عملية تتطلب عادةً تثبيط الجهاز المناعي بالكامل لتجنب رفض الخلايا المزروعة.
غير أن هذا النهج البحثي قد يتيح في المستقبل زراعة خلايا بيتا معدلة وراثيًا دون الحاجة لمثبطات المناعة، ما يقلل من المخاطر ويعزز جودة حياة المرضى.
وأكدت الدكتورة شابيرو أن هذه التقنية ما تزال في مراحلها الأولية، لكنها تمثل خطوة مهمة نحو تطوير حلول علاجية مبتكرة لهذا المرض المزمن. وأضافت أن الفريق يخطط مستقبلاً لاستكشاف إمكانية دمج هذه الخلايا المعدلة في زراعات البنكرياس كجزء من استراتيجية طويلة المدى لعلاج المرضى دون تعريضهم لضعف المناعة.